هل المملكة العربية السعودية بصدد إفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية بغرض التنمية أم الإصلاح أم التطور التكنولوجي أم صناعة الحضارة؟
ربما هو مزيج من كل هذه الأغراض السامية، ولكن لا شك أن “التنمية” هي الكلمة الأبرز هنا، ولا نقصد بها بالطبع التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، بل تنمية مهارات النقر السريع على الأزرار ورفع مستوى الأداء في ألعاب الفيديو!
فمن خلال هذه المليارات، يبدو أن المملكة قد قررت أن تكون في مقدمة الدول التي تقود “ثورة الألعاب” في المستقبل، حيث تتوقع أن تكون البراعة في اللعب على الأجهزة المحمولة هي العامل الحاسم في تصدر الاقتصاد العالمي.
في عالم يتقلب فيه الاقتصاد العالمي وتتزايد فيه التحديات الحقيقية كالفقر، البطالة، وتغير المناخ، قررت السعودية أن الحل هو إنفاق المليارات… نعم، المليارات، على الألعاب الإلكترونية!
يبدو أن هذه الخطوة تمثل رؤية عبقرية لإصلاح الاقتصاد العالمي من خلال جمع الشباب أمام الشاشات عوضًا عن تطوير مهاراتهم الحقيقية أو توفير وظائف حقيقية لهم.
وهنا يحق لنا أن نتساءل هل نحن بصدد إفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية: هل هي رؤية استراتيجية مدروسة العواقب أم عبث اقتصادي أم ركوب لموجة الألعاب الإلكترونية؟
المملكة العربية السعودية وإفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية
ما هي الأسباب الحقيقية وراء إنفاق المليارات على الألعاب الإلكترونية: رؤية استراتيجية أم ذرائع وأوهام؟
في إطار سعي المملكة العربية السعودية لتحقيق أهداف رؤية 2030، اتجهت إلى الاستثمار في قطاع الألعاب الإلكترونية بشكل غير مسبوق، حيث ضخت مليارات الدولارات في شراء حصص بشركات عالمية وتأسيس كيانات محلية طموحة. يُروَّج لهذه الاستثمارات باعتبارها جزءًا من استراتيجية تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، مع استهداف فئة الشباب وتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي لهذه الصناعة. ومع ذلك، يثار جدل واسع حول جدوى هذه الخطوة، حيث يرى بعض المراقبين أنها انحراف عن الأولويات الوطنية، مع احتمالية أن تكون نتائجها الاقتصادية والاجتماعية غير متكافئة مع حجم الإنفاق.
ويلاحظ في كثير من الأوساط سخط وطني عارم وأن أغلب الناس في المملكة العربية السعودية هم ضد إفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية حتى لو كان من ورائها طائل أو عائد اقتصادي حقيقي يذكر.
وطبعاً هناك “أسباب” ربما هي وجيهة في نظر القائمين على هذه المشاريع الضخمة تتركز في:
- “تنويع الاقتصاد”؟ يبدو أن مصطلح “تنويع الاقتصاد” بات ذريعة لكل مشروع فاخر ومغري وجذاب هذه الأيام. بدلًا من الاستثمار في قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، أو الطاقة المتجددة، يتم توجيه الأموال نحو صناعة تعتمد على الترفيه المفرط والإدمان الرقمي. ربما نسيت الحكومة أن التنويع الحقيقي يبدأ من تمكين الشباب بفرص مستدامة، وليس بجعلهم أسرى للشاشات.
- “استهداف الشباب”؟ فكرة استهداف الشباب بمليارات الألعاب الإلكترونية هي إحدى أكثر التبريرات سطحية. هل حقًا نعتقد أن شباب الأمة بحاجة إلى مزيد من الوقت أمام الشاشات بدلاً من بيئة تعليمية متطورة، أو وظائف تساعدهم على بناء مستقبلهم؟ أم أن الحل هو تحويل الإدمان الرقمي إلى سياسة وطنية؟
- “تحقيق الريادة العالمية”؟ الريادة العالمية؟! يبدو أن استضافة بطولات الرياضات الإلكترونية أو شراء حصص في شركات أجنبية ستجعل المملكة “قوة عظمى” في عالم… الألعاب. تخيلوا أن الدول العظمى ستقف مبهورة بإنجازنا المتمثل في إطلاق لعبة فيديو محلية.
هل إنفاق المليارات على الألعاب الإلكترونية على رأس أولويات الطموح السعودي أم هي مجرد أحلام اليقظة؟
- “مركز عالمي للألعاب” يبدو أن تحويل السعودية إلى مركز عالمي لصناعة الألعاب الإلكترونية هو الهدف الجديد لرؤية 2030. فكرة عظيمة بالتأكيد… إن تجاهلنا أن هذه الصناعة تسيطر عليها شركات ضخمة في دول تمتلك خبرات طويلة في المجال. لنكن واقعيين: العالم لن يترك صناعة ألعاب الفيديو ليأخذ دروسًا في التطوير من الشرق الأوسط.
- “استقطاب الشباب” هل هناك طريقة أفضل لجذب الشباب من جعلهم يجلسون لساعات طويلة يلاحقون أشباحًا في ألعاب الفيديو؟! هذه الخطوة ربما تجعلهم ينسون أنهم يعيشون في بلد تعاني من تحديات بطالة أو نقص في المهارات العملية.
حجم الاستثمارات الضخم: صفقات كبرى لشراء الوهم
دعنا نكن صريحين تجاه هذا الوضع وهو حقيقة بمنطق الاستثمار المحض هي إفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية في ظل حالة فقر صارخة يعد من التصرف الرشيد؟
إليك بعض ملاح هذا الاستثمار المثالي أو سميه التصرف الرشيد الذي يطمئن الشعب السعودي برغد العيش المنشود… بعد سنوات من الانفاق الطموح
- شراء الشركات العالمية:
من الجميل أن نرى أموالنا تُصرف على شراء حصص في Activision Blizzard وEA. لكن هل يعلم أحد ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستعود بعائد حقيقي للمجتمع المحلي؟ أم أنها مجرد صفقات تضيف أرقامًا خيالية إلى أخبار الصحافة دون أثر حقيقي؟ - افتتاح شركة Artisan Studios استوديو في السعودية لإنتاج ألعاب AAA وذلك باتفاق مع وزارة الاستثمار السعودية لفتح ما تسميه “أكبر استوديو لتطوير الألعاب بملكية أجنبية في المملكة”.
- إنشاء الشركات المحلية:
السعودية تطلق أول نسخة من كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض، مع جائزة مالية ضخمة تبلغ 60 مليون دولار، في خطوة تهدف إلى أن تصبح مركزاً عالمياً لهذه الرياضات، ضمن رؤية 2030 الطموحة التي تنشد تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. الحدث يشارك فيه أكثر من 1,500 لاعب من مختلف أنحاء العالم، وتستضيفه 21 لعبة من أكبر شركات الألعاب. بينما يعتز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بهذه الرياضات كجزء من استراتيجيته الاقتصادية، فإن بعض الانتقادات تتسرب من مجتمع الألعاب بشأن حقوق الإنسان في المملكة.
- استضافة أول ألعاب أولمبية للرياضات الإلكترونية في السعودية
أعرب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، عن سعادته بهذه الشراكة قائلاً:
“من خلال تعاوننا مع اللجنة الأولمبية السعودية، حرصنا على الالتزام بالقيم الأولمبية، لا سيما فيما يتعلق بالألعاب المدرجة في البرنامج، وتعزيز المساواة بين الجنسين، والانخراط مع الجمهور الشاب الذي يتبنى الرياضات الإلكترونية.”
هل هي خطوة نحو المستقبل الرياضي أم مجرد محاولة لدمج الشاشات في الألعاب الأولمبية التقليدية؟”
إحصائيات “مخيفة” حديثة: العالم في مواجهة عبث الألعاب الإلكترونية
إذا كنت تظن أن صناعة الألعاب الإلكترونية مجرد وسيلة تسلية بريئة، فإليك بعض الأرقام التي قد تجعلك تُعيد النظر، أو ربما تزيدك “إعجابًا” بالوضع الحالي:
- 200 مليار دولار سنويًا تُنفق عالميًا على الألعاب الإلكترونية
رقم ضخم، أليس كذلك؟! هذه الميزانية التي تكفي لإطعام الجياع حول العالم، تُنفق بدلاً من ذلك على ملاحقة شخصيات افتراضية وقتل الوحوش في عوالم رقمية. بينما العالم يئن تحت وطأة الفقر، الألعاب تتربع على عرش الأولويات. - 3 مليارات لاعب حول العالم
نعم، ثلث سكان الأرض تقريبًا يقضون وقتهم في قتل الزومبي أو بناء مدن افتراضية. يبدو أن العالم قرر الهروب من الواقع بدلاً من مواجهة تحدياته الحقيقية. - 7 ساعات يوميًا معدل لعب اللاعبين الشغوفين
من المؤكد أن هذا “الالتزام” تجاه الألعاب لو تم توجيهه نحو القراءة أو التعليم، لكنا على الأقل حصلنا على جيل يمكنه القراءة والكتابة بدلًا من حفظ أسماء الأسلحة الافتراضية. - إدمان الألعاب بين الشباب
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 60% من الشباب يعانون من إدمان الألعاب بدرجات متفاوتة. هذا النوع من الإدمان لا يؤدي فقط إلى هدر الوقت، بل يُضعف القدرات الاجتماعية ويُسبب مشكلات صحية مثل السمنة والأرق. رائع، أليس كذلك؟ - الرياضات الإلكترونية تحقق مشاهدات تفوق الرياضات التقليدية
على سبيل المثال، نهائيات بطولة League of Legends لعام 2022 حصدت أكثر من 100 مليون مشاهدة، متفوقة على مشاهدات بعض البطولات الرياضية الكبرى. يبدو أن الجري خلف كرة على ملعب حقيقي لم يعد مثيرًا بما يكفي مقارنةً بمشاهدة صور متحركة تُقاتل بعضها. - السعودية استثمرت 38 مليار دولار في صناعة الألعاب الإلكترونية
بينما تواجه قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة تحديات تمويلية، قررت المملكة أن الحل هو إنفاق هذه الأموال على قطاع ترفيهي قد لا يحقق عوائد طويلة الأجل. ربما علينا أن ننتظر لنرى إذا كانت هذه الأموال ستُعيد تشكيل الاقتصاد أو ستنتهي كفقاعة رقمية أخرى.
ماذا تعني هذه الأرقام؟
بعيداً عن التهويل والدرامة الاجتماعية وأن الموضوع برمته يمس المملكة العربية السعودية وخصوصاً إفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية في استثمار لا ترى جديته ولا جدواه، والمؤكد أنه سيخلف لنا:
- جيل مهووس بالشاشات:
بدلاً من أن تكون الألعاب مجرد وسيلة ترفيهية، أصبحت محور حياة الملايين، مما أدى إلى تآكل العلاقات الاجتماعية وتراجع الإنتاجية. - فرص اقتصادية ضائعة:
بدلاً من استثمار هذه الأموال في البحوث العلمية أو الحلول البيئية، يتم توجيهها نحو صناعة قد لا تقدم سوى تسلية مؤقتة دون قيمة حقيقية للمجتمع. - اختلال الأولويات:
يبدو أن العالم يفضل الهروب من الواقع عبر الألعاب الإلكترونية بدلاً من مواجهة تحديات حقيقية مثل الفقر، التعليم، وتغير المناخ.
ثم بعد ذلك، ما هي النتيجة التي لا مفر منها؟
النتيجة هو حصول سخط شعبي عارم وانتقادات لا مفر منها
- الأولوية في غير محلها
في الوقت الذي تتطلب فيه البلاد استثمارات في التعليم، الصحة، والبنية التحتية، تُصرف المليارات على قطاع ترفيهي لا يخدم إلا شريحة ضيقة. أين المشاريع التي تخدم الغالبية؟ أم أن المهم هو مجرد ملاحقة الموضة الاقتصادية؟ - إدمان الشباب
بدلًا من تمكين الشباب وتعزيز إنتاجيتهم، يتم دفعهم نحو المزيد من الإدمان الرقمي. الألعاب الإلكترونية ليست بديلًا للتعليم ولا للتدريب المهني، بل هي هروب مؤقت من الواقع. - تجاهل القيم الحقيقية
الاستثمار في الألعاب الإلكترونية يتجاهل القيم المجتمعية التي تركز على العمل الجاد والإبداع. يبدو أننا قررنا أن نعلّم الشباب أن النجاح يأتي من الفوز في “جولات افتراضية” بدلاً من مواجهتهم للواقع وبنائهم لمستقبلهم.
الخاتمة: عبث اقتصادي بثمن باهظ
عندما ننظر إلى هذه الاستثمارات بمليارات الدولارات، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل نحن بصدد بناء مستقبل أم أننا نعيش في فيلم خيال علمي حيث الاقتصاد يُدار كأنه لعبة فيديو؟
بينما تتصارع الدول على التعليم والتقنيات المستدامة، نحن مشغولون بشراء أحلام وهمية لا علاقة لها بالواقع تتعلق بالعالم الافتراضي.
إذا كان هذا هو “التنوع الاقتصادي” الذي نسعى إليه، فنحن بحاجة إلى وقفة مع الذات، وإعادة ترتيب أولوياتنا قبل أن نجد أنفسنا نلعب لعبة خاسرة على المسرح العالمي.
كان هذا مقال تكلمنا فيه عن مسار جديد من المملكة العربية السعودية وإفساد المليارات على الألعاب الإلكترونية الذي يعد حلماً أو وهماً أو استثماراً مجهول العواقب.
مواضيع قد تهمك أيضاً:
- إضافة Horizon Forbidden West بتوسعة Burning Shores إلى قائمة ألعاب PlayStation Plus
- مشكلة كبيرة في Call of Duty: Modern Warfare 3 تثير استياء اللاعبين
- تحديد موعد حدث Xbox Partner Preview في يوم 25 أكتوبر
- صدور تحديث كبير لـStarfield ليس من إنتاج Bethesda
- مواعيد إصدار الألعاب القادمة في عام 2024
شارك المقالة!