يعيش ملايين الآباء والأبناء حول العالم في نفس الدائرة اليومية التي لا تنتهي، حيث تتكرر نفس المشاهد، وتدور الأيام بنفس الإيقاع وربما نفس الموضوع المقلق وهو تأثير الألعاب الاكترونية على حياة الأولاد. فتجد الأب يجلس في زاويته، غارقًا في روتين حياته اليومية، بينما الابن، أو ربما الابنة أو كلاهما، ينجرفون في عالم افتراضي لا حدود له، صعب الخروج منه بعد الدخول. يضيء وجهه بشاشة الهاتف أو التلفاز، يغمره الصوت المتسارع للمعارك في عالم الألعاب الاكترونية، حتى تكاد جدران البيت تهتز من شدة التوتر في اللعبة.
تساؤلات الأب: ما دور الألعاب الإلكترونية في حياة ابني؟
وهناك، في تلك اللحظة العابرة، يغرق الأب في تساؤل:
هل يمكنني فعل شيء لتغيير هذا الواقع؟
هل من الممكن أن يتعلم ابني من هذه الألعاب الاكترونية شيئًا يفيده في حياته؟
أم أن هذا الارتباط الذي يبدو غير ضار أصبح عائقًا يقف بينه وبين الأشياء الأهم في الحياة؟
تتكرر هذه اللحظات في كل بيت، يومًا بعد يوم. لا يبدو أن هناك من يلاحظ أن الوقت يمر… ويضيع!
وأن اللحظات التي يفترض أن تجمع العائلة قد أصبحت نادرة… وتقل!
وأن الفرص التي يمكن أن تمنحها الحياة أصبحت تتسرب بين أصابعنا كما تتسرب الرمال.
يا له من واقع مرير ومحزن..
الأب يحاول الوصول إلى ابنه، يحاول أن يشير له إلى تلك النقطة التي يفصلها عن الفهم الحقيقي للألعاب: أن تظل جزءًا من حياته، لا أن تتحكم فيها.
هذه ليست قصة منفردة، بل هي صورة حية لواقع يعيشه الملايين.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو:
كيف يمكننا أن نعيد ضبط هذا التوازن؟
كيف نعلم أبنائنا كيف يحققون النجاح في عالم مليء بالخيارات المغرية؟
دعونا الآن، نتعرف على هذه القصة الجميلة المثيرة التي سميناها: “بين الشاشة والحياة: حوار أب مع ابنه عن الألعاب الاكترونية”
الحوار المفتوح بين الأب وابنه حول الألعاب الإلكترونية
في منزل هادئ، حيث يمر الوقت ببطء، جلس الأب على الأريكة، غارقًا في صفحات جريدة قديمة اعتاد قراءتها مرارًا وتكرارًا. كانت تلك اللحظات تمضي ببطء، بينما كان الابن جالسًا أمام شاشة التلفاز، متوهجًا بالحماس، غارقًا في عالمه الافتراضي. الصوت المرتفع لإطلاق النار في اللعبة كاد أن يهز الجدران، فبدت وكأنها تستجيب لصرخات التحدي والانتصار التي يطلقها ابنه في هذا العالم الموازٍ. نظر الأب إلى ابنه، ثم تنهد بصمت، قبل أن يبتسم ابتسامة خفيفة، ويقول بهدوء: “يا بني، هل يمكننا أن نتحدث قليلاً؟”
رفع الابن عينيه عن الشاشة، وبدا وكأنه يخرج من حلمه المفاجئ. قال، بنبرة متهكمه: “خير، يا أبي؟”
اقترب الأب منه بحذر، وكأن لديه سرًا ثمينًا ليكشفه، وقال بصوت منخفض: “أريد أن نتحدث عن الألعاب الإلكترونية، وكيف يمكننا أن نجعلها صديقًا جيدًا بدلًا من أن تتحول إلى وحش يلتهم وقتك.”
رفع الابن حاجبيه باستهزاء، وقال: “وحش؟ أبي، إنها مجرد ألعاب. متعة، وقت مرح ليس إلا، وكل الأولاد يلعبون مثلي.”
ضحك الأب برقة، لكنه لم يخفِ قلقه. ثم قال، وكأن كلمات كُتبت في قلبه:
“بالطبع، إنها ممتعة! لكن دعني أخبرك بشيء. تخيل أنك تمتلك سيارة فاخرة. بإمكانك أن تقودها إلى أماكن مذهلة، لكن إذا قررت أن تقودها بلا عقل، ستكون العواقب كارثية. الألعاب الاكترونية يا بني، تشبه تلك السيارة. قد تكون أداة لتحقيق أشياء عظيمة، ولكن إذا لم تستخدمها بحذر، قد تتحول إلى وسيلة لتضييع وقتك.”
ظل الابن صامتًا، أذنه تُصغي أكثر مما كان يتوقع. قال:
“لكن كيف يمكن للألعاب أن تضر؟”
قال الأب، وكأن الكلمات تتساقط منه بحكمة مكتسبة عبر السنين:
“الأمر ليس في الألعاب نفسها، بل في كيفية استخدامها. إذا تركتها تبتلع وقتك، ستفقد الكثير. ستفقد التعلم، وستفقد تكوين صداقات حقيقية، وربما حتى ستفقد اللحظات الجميلة التي يمكن أن نعيشها كعائلة. لكن، إذا استخدمتها بحكمة، ستكون أداة رائعة. يمكنك أن تتعلم منها التفكير الاستراتيجي، التخطيط، وحتى العمل الجماعي.”
ابتسم الابن ابتسامة ذات طابع التحدي وقال:
“لكنني أحب الألعاب. أليس هذا يكفي؟”
رد الأب بابتسامة هادئة، وكأن الحياة تعلمه أكثر مما يقول:
“بالطبع، إذا كنت تريد أن تظل في نفس المكان للأبد. لكن إذا أردت أن ترفع شغفك إلى مستوى أعلى، ستحتاج إلى التوازن. هناك من حولوا حبهم للألعاب إلى مهنة، أو استخدموها لتطوير مهاراتهم. لكن هؤلاء لا يتركون الألعاب تسيطر عليهم.”
شعر الابن بحيرة، وكأن كلمات الأب قد ألقت ظلاً على تفكيره. سأل بفضول:
“وما الحل؟ كيف أوازن بين الألعاب الاكترونية وباقي الأشياء المهمة الأخرى في حياتي؟”
ابتسم الأب كمن يقدم له مفاتيح الفهم:
“الأمر بسيط، يا بني. خصص وقتًا محددًا للألعاب، ولكن لا تنسَ أن هناك عالمًا آخر من الفرص ينتظرك. اقرأ كتابًا، مارس الرياضة، خطط لصنع لعبتك الخاصة. العالم مليء بالمغامرات الحقيقية، فلا تجعل الشاشة هي نافذتك الوحيدة.”
فكر الابن للحظات، ثم قال بابتسامة خفيفة:
“ربما لديك حق. سأحاول أن أوازن وقتي وإني أرى أن الألعاب الاكترونية في الحقيقة تلتهم وقتي بشكل لا يصدق.”
ابتسم الأب بلطف، وربت على كتفه قائلاً:
“تذكر، الحياة مثل لعبة كبيرة جداً. إذا أردت أن تربح فيها، عليك أن توازن بين اللعب والعمل. اجعل الألعاب جزءًا من نجاحك، لا سببًا لفشلك.”
عاد الابن إلى لعبته، لكن هذه المرة كان يشعر بشيء من الوعي. ضبط منبهه ليذكره بالتوقف. وبينما كان الأب يراقب ابنه بفخر، همس لنفسه بابتسامة: “أظنه حوار ناجح آخر، لكن أبي على حق، وسيرى مني أني أستطيع أن أتحكم في وقتي بشكل معقول مع هذه الألعاب الالكترونية المغرية، حتى لا يفقدني وأنا أمامه 😅!”
مواضيع قد تهمك أيضاً:
شارك المقالة